الاثنين، 22 يونيو 2009

سالم عايد محمد - الفرقة الثانية دبلوم خاص

الجودة في التعليم العالي: بناء مُتجدد يُشارك فيه الجميع

عندما تتحدث صحفنا المحلية عن جامعتنا هذه الأيام، تبرز كلمات وتعبيرات مُتعددة تحمل بريق النجاح والتفوق، مثل "نوبل" و"الكراسي العلمي" و "مراكز التميز"، وغير ذلك من تعبيرات تُعطي بالإضافة إلى المعنى الذي تعبر عنه، روح التحفيز و التفعيل التي لا نحتاجها قولاً فقط، بل نريدها عملاً أيضاً. في هذا السياق، تلوح كلمة براقة جديدة هي "الجودة". ولعل لجامعتنا الأم، جامعة الملك سعود، دور ريادي في هذا المجال، ويتمتع هذا الدور بصدىً إيجابي في الجامعات الأخرى، يدفعها هي أيضاً إلى تبنيه.

ولم يقتصر الحديث عن الجودة على مسألة الطرح الفكري فقط، بل تجاوز ذلك إلى مرحلة العمل على التنفيذ، فقد تم تعيين وكلاء لعدد من كليات جامعة الملك سعود لشؤون "الجودة"، وتم مؤخراً أيضاً عقد ورشة عمل حول هذا الموضوع. ولا شك أن التوجه نحو الجودة أمر محمود، بل إنه مرغوب ومطلوب، ولا بُد لكل طامح إلى التقدم من السعي نحو سلوكه، والوصول به إلى التطلعات المنشودة. وفي سبيل تحقيق ذلك، لا بُد من رؤية مُتكاملة، تقود إلى الطريق القويم.

للجودة أهداف ووسائل، ولها أيضاً مستويات مُتكاملة، تستند إلى أبعاد ومؤشرات. وبين عناصر الجودة هذه ما هو عام ينطبق على كافة المجالات، وبينها أيضاً ما هو خاص يرتبط بمجال بعينه. وفي إطار التعليم العالي، ينبغي فهم كل من العام والخاص من هذه العناصر، كما ينبغي تحويل الفكر إلى مُمارسة، والنظرية إلى تطبيق.

بين الأمور العامة الشهيرة في إطار الجودة، أساليب كثيرة، بعضها سابق ويرحل مع الزمن لتبقى مبادئه وأفكاره وتجاربه ونجاحاته وإخفاقاته مُتاحة للباحثين؛ وبعضها قائم يأخذ من مبادئ وأفكار ما سبقه ويطورها ويضعها في صيغ جديدة أكثر فاعلية. ومن ذلك على سبيل المثال أسلوب "إدارة الجودة الشاملة" (المعروف بالأحرف TQM)، الذي انتشر في الماضي، ثُم سلم الراية إلى الأسلوب الذي بات أكثر انتشاراً، ألا وهو أسلوب "الأبعاد الستة" (Six-Sigma) الذي يُركز على ثقافة الجودة، والحد من الأخطاء، ويُقدم منهجية لمراجعتها وتقويمها وتطويرها بشكل مُتواصل.

وطريق الجودة في التعليم العالي طريق "مُتكامل"، و"مُتعدد الجوانب" في آن معاً. مُتكامل في أن أداءً جيداً في جوانب معينة، قد يُحبط بأداء رديء في جوانب أخرى، ولا يكون المُخرج النهائي بعد ذلك بالشكل المطلوب. أما الجوانب المُتعددة فهي الوظائف المُختلفة التي يتم أداؤها في مؤسسات التعليم العالي، والأنظمة التي تحكمها، والأفراد الذين يقومون بتنفيذها. وتشمل هذه الوظائف بشكل أساسي: التعليم العالي، والبحث العلمي، ونشاطات التعاون والاستشارات وخدمة المُجتمع، والعمل الإداري، إضافة إلى نشاطات أخرى مُختلفة.

وقد تسعى جامعاتنا في طريقها نحو الجودة إلى مُحتوى تعليمي مُتقدم. ولكن من سينفذ هذا المحتوى؛ بالطبع عضو هيئة التدريس الذي قد يكون مُحاطاً بضغوط إدارية تستنزف وقته في لجان كثيرة تُقدم توصياتها إلى لجان أخرى لمرة أو مرات قبل اتخاذ قرارات قد تكون بسيطة للغاية، يُمكن اتخاذها على مستويات أدنى، ضمن ضوابط مُحددة، بما يُؤدي إلى توفير الوقت والجهد إلى ما هو أهم. وتجدر الإشارة هنا إلى أن اجتماع لجنة واحدة من عشرة أساتذة مدة أربع ساعات في الأسبوع، يذهب بجهد أسبوع كامل لأستاذ واحد.

وتقضي الجودة بالطبع بضرورة الاستفادة من الزمن وتجنب هدره؛ وهناك مبدأ مهم في هذا الإطار هو ضرورة تضييق الفجوة بين أفضل ما يُمكن أن يُقدمه الإنسان، أو ربما فريق العمل، وبين ما يقوم بتقديمه بالفعل. إذا طبقنا هذا المبدأ فربما نجد فجوات كثيرة في جامعاتنا، علينا في إطار التوجه نحو الجودة إلى تضييقها، وربما إغلاقها بالكامل.

وخلاصة القول أن توجهنا نحو الجودة أمر محمود ومطلوب، لكنه يحتاج إلى رؤية مُتكاملة تشمل كافة جوانب نشاطات مؤسسات التعليم العالي، كي لا تعترضنا حواجز أو طرق ضيقة تحد من قدرتنا على تحقيق ما نتطلع إليه.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق