السبت، 30 مايو 2009

مصطفى حسين عبد الكريم عبد الغني - مصطفى حمدي محمد يوسف المعايير القومية للتعليم المصري ودورها في الإرتقاء بجودة التعليم

المعايير القومية للتعليم المصري ودورها في الإرتقاء بجودة التعليم

مصطفى حسين عبد الكريم عبد الغني .
مصطفى حمدي محمد يوسف .
ثانية دبلوم خاص .



في ظل التغيرات والتطورات المذهلة‏,‏ وقوة المنافسة العالمية‏,‏ كان لابد للتعليم أن يدخل حلبة الصراع والتحدي‏,‏ باعتباره الملاذ‏,‏ والحصن المنيع‏,‏ القادر علي مواجهة هذه التغيرات والتطورات‏,‏ والصمود إزاء ما يحدث من اختراق للحدود علي مختلف الجبهات‏,‏ وفي كل الميادين والمجالات‏,‏ لهذا ــ ولغيره ــ أصبح التعليم محور اهتمام النظم والحكومات‏,‏ الشعوب والمجتمعات‏,‏ وجميع الهيئات والمؤسسات‏,‏ علي مختلف الأصعدة والمستويات‏,‏ الحكومية وغير الحكومية‏,‏ الرسمية منها والشعبية‏.‏ كما أصبح موضوعا لعشرات التجارب والمفاهيم‏,‏ وعمليات التغيير والتطوير التي تستهدف الارتقاء بجودته‏,‏ والارتفاع بكفاءته‏,‏ والانتقال به من دائرة المحلية إلي آفاق أرحب‏,‏ وأكثر شمولا واتساعا‏,‏ تؤهله لأن يكون قادرا ــ وبخطوات واثقة ــ علي الدخول في المنافسة العالمية‏.‏
من هذا المنطلق ــ وفي هذا الإطار ــ تأتي أهمية ما قامت به وزارة التربية والتعليم من وضع معايير قومية للتعليم المصري في إطار عالمي مقارن‏,‏ كآلية مضمونة‏,‏ قوية لتحقيق الجودة الشاملة للمؤسسة التعليمية‏,‏ كهدف قومي سعت ــ وتسعي ــ إلي تحقيقه القيادات التربوية المسئولة‏,‏ منذ ما يقارب عقدا من الزمان‏,‏ ومن ثم يأتي وضع هذه المعايير تتويجا لجهود هذه القيادات علي طريق التغيير والتطوير المستمر‏.‏

ويشكل الانتهاء ــ وليس النهاية ــ من وضعها وإعدادها حدثا تاريخيا غير مسبوق عبر التاريخ الطويل للتعليم المصري‏,‏ حدثا يستحق ــ وبحق ــ التسجيل هنا‏,‏ خاصة علي مثل هذه الصفحة الرصينة‏,‏ من صحيفة الأهرام ديوان الحياة المعاصرة‏,‏ باعتباره إنجازا قوميا يضاف إلي الجهود الوطنية الصادقة المخلصة علي طريق الارتقاء والنهوض بالحياة المصرية‏.‏
وفي هذا الصدد‏,‏ ثمة تساؤلات تفرض نفسها‏,‏ يأتي في مقدمتها‏:‏ ما المقصود من مفهوم المعايير القومية للتعليم؟ ما مكوناتها ومجالاتها؟ ما الخصائص والصفات التي تم مراعاتها في وضعها؟ والأسس الفكرية التي انطلقت منها؟ والخطوات المنهجية التي اتبعت في إنجازها؟ من الذي قام وشارك في هذا الإنجاز الضخم؟ وأخيرا ما فائدة وأهمية المعايير القومية للتعليم؟ وما الآليات المقترحة لتفعيلها وتنفيذها؟‏.‏

للإجابة عن هذه الأسئلة وغيرها نكتب هذا المقال‏,‏ تعريفا للرأي العام بهذا المشروع الضخم والمهم‏,‏ إثارة للوعي بأبعاده ومكوناته‏,‏ وشحذا للهمم للمشاركة الفاعلة في تنمية هذه المعايير وتطويرها‏,‏ والدعم والمساندة في تطبيقها وتنفيذها‏,‏ فلم توضع لتضيف عطاء فكريا للقائمين بوضعها‏,‏ أو رصيدا يضاف لإنجازات هذه القيادات أو تلك‏.,‏ وإنما وضعت من أجل المجتمع‏,‏ كل المجتمع‏,‏ ومن قبل ومن بعد من أجل مستقبل الأجيال‏,‏ منطلق تحقيق الآمال‏,‏ لهذا ولغيره يأتي هذا المقال لإنجاز عشناه وعايشناه‏,‏ عن قرب ولحظة بلحظة‏,‏ ومن ثم فإنها شهادة صدق‏,‏ فكما يقولون‏:‏ ليس من سمع كمن رأي‏.‏ ويتلخص ما نود طرحه هنا في الآتي‏:‏
‏1‏ ـ يقصد بالمعايير ــ كما تم الأخذ بها في وضعها ــ تلك المقاييس العلمية الموضوعية للحكم علي أداء أي مؤسسة تعليمية‏,‏ بل وأداء النظام التعليمي ككل‏,‏ ومن ثم تنتفي تلك الأحكام التي تخرج عن نطاق هذه المعايير‏,‏ باعتبارها المحك العلمي والعملي للحكم الموضوعي علي الأداء والإنجاز التربوي‏.‏

‏2‏ ـ إن المكونات الأساسية‏,‏ للمعايير القومية للتعليم المصري تتمثل في خمسة مكونات رئيسية هي‏:‏
ــ المدرسة الفعالة بما تتميز به من وحدة وتكامل‏,‏ وتفاعل بين مختلف عناصرها لتحقيق الجودة الشاملة في العملية التعليمية‏.‏

ــ المعلم‏,‏ بمفهومه الشامل‏,‏ والواسع لكل من يقوم بالعملية التعليمية‏,‏ ومن يسهم في تفعيلها‏,‏ وتحسينها‏,‏ وتحقيق أهدافها‏.‏
ــ المنهج المدرسي ونواتج التعليم‏,‏ فلسفة وأهدافا‏,‏ محتوي وطرائق‏,‏ آداء وتقويما‏,‏ وما يرتبط بكل هذا من معارف ومعلومات ومصادر للتعلم الفعال‏.‏

ــ الإدارة التربوية المتميزة في مستوياتها المختلفة تخطيطا ومتابعة وتنفيذا‏,‏ ابتداء بالقيادات التربوية العليا ومرورا بالإدارات والمديريات التعليمية‏,‏ وانتهاء بالإدارة المدرسية‏.‏
ــ المشاركة المجتمعية‏,‏ من خلال التواصل والتفاعل والتكامل بين المؤسسة التعليمية‏,‏ وبين المجتمع المحلي الذي تعيش فيه‏,‏ وتعمل من خلاله‏.‏
ولكل مكون من هذه المكونات مجالاته الخاصة به‏,‏ والمحددة لمعاييره ومؤشرات أدائه‏,‏ وقياسه وتقويمه‏.‏ مع وجود قواسم مشتركة بينها جميعا تتمثل في التأكيد علي الأبعاد القومية‏,‏ والرؤية الاستراتيجية‏,‏ والمشاركة المجتمعية‏,‏ والتنمية المهنية المستمرة‏,‏ والإفادة من تكنولوجيا العصر‏.‏ فضلا عن خصائص الإبداع‏,‏ والشفافية‏,‏ والمحاسبية‏,‏ والمسئولية‏,‏ والتقويم الشامل والمستمر‏.‏

‏3‏ ــ وتختص هذه المعايير بالعديد من الخصائص والصفات العالمية والمجتمعية التي حرص القائمون عليها بضرورة توافرها‏,‏ من أهمها‏:‏
ــ القابلية للتطوير المستمر‏,‏ لمواجهة المستجدات القومية والعالمية والتطورات التكنولوجية‏.‏
ــ القابلية للقياس حتي يمكن الحكم علي مدي جودة مخرجات التعليم‏,‏ وتحسن الأداء‏.‏

ــ تحقيق مبدأ المشاركة بين مختلف الأطراف المستفيدة من التعليم‏,‏ وأصحاب المصلحة الحقيقية فيه‏:‏ وتتحقق هذه المشاركة في إعداد المعايير‏,‏ وتنفيذها‏,‏ وتقويم نتائجها‏.‏
ــ مراعاة الأبعاد الأخلاقية المجتمعية‏,‏ والقوانين والتشريعات السائدة‏.‏
ــ تحقيق مفهوم الوطنية‏:‏ خدمة لأهداف الوطن وقضاياه‏,‏ وتحقيق مصالحه العليا‏.‏

ــ المرونة‏:‏ حتي يمكن تطبيقها بفاعلية علي مختلف القطاعات‏,‏ وعلي اختلاف الظروف والبيئات‏.‏
ــ الاتساع والشمول لمختلف جوانب العملية التعليمية‏,‏ والتربوية والسلوكية‏.‏
‏4‏ ــ كما تم وضع المعايير بناء علي مجموعة من الأسس والمنطلقات الفكرية الحاكمة والموجهة لها‏,‏ وتتلخص في‏:‏ اعتبارها مقاربة تعليمية مبتكرة تعزز نموذج التعلم النشيط‏,‏ ذاتي التوجه‏,‏ وتحول تعليمي يرفع القدرة المجتمعية علي المشاركة‏,‏ والمتعلم علي المواطنة الصالحة‏,‏ ومواكبتها للتطورات في عالم متغير‏,‏ يعتمد علي صنع المعرفة وتعدد مصادر التعلم‏,‏ كما تعكس نمطا مستحدثا من الإدارة التربوية القادرة علي التعامل مع مجتمع المعرفة‏,‏ وتحقيق الجودة الشاملة‏,‏ وتعكس إلتزاما بالمواثيق الدولية والقومية الخاصة بحقوق الإنسان‏,‏ وتحقيق العدالة الاجتماعية والمساواة وتكافؤ الفرص‏,‏ والتعليم المتميز للجميع‏,‏ ودعم قدرات المشاركين في العملية التعليمية علي التفكير الناقد الخلاق‏,‏ القادر علي حل المشكلات والإبداع في صنع القرارات واتخاذها‏.‏ وأخيرا ــ وليس أخيرا ــ تعزز المعايير قدرة المجتمع علي تنمية أجيال قائمة علي المشاركة‏,‏ وقادرة علي المنافسة في عالم متغير‏.‏

‏5‏ ــ بناء علي هذا‏,‏ تم وضع المعايير وفق خطوات منهجية علمية محددة‏,‏ متعددة المداخل والأدوات‏,‏ والتي استمر القيام بها في جهد متواصل‏,‏ لا يعرف الراحة‏,‏ أو الكبير من الصغير‏,‏ الكل ــ كخلية نحل ــ يعمل في صمت وصبر يفوق التصور‏,‏ جهدا استغرق قرابة العام‏.‏ فبعد الاجتماعات والتحضيرات التمهيدية‏,‏ تم تشكيل خمس لجان‏,‏ تتولي كل لجنة وضع معايير للمكون الخاص بها من المكونات الخمسة السابق الإشارة إليها‏,‏ وذلك من خلال‏:‏
ــ اللقاءات والمناقشات المستمرة وأوراق العمل التي كتبت بهذا الخصوص‏.‏
ــ التشاور مع الخبرات المحلية والعالمية‏,‏ ومع العاملين في الميدان‏,‏ ومؤسسات المجتمع المحلي‏,‏ والجمعيات الأهلية‏,‏ وغيرها للوقوف علي أهم مكونات وعناصر المستويات المعيارية في كل مجال‏.‏

ــ تحليل الوثائق الخاصة بالتعليم المصري في كل مجال من المجالات ولكل مكون من المكونات‏.‏
ــ تحليل الأدبيات العالمية المقارنة‏,‏ والإفادة منها‏,‏ بما يتلاءم مع الواقع المصري‏.‏

ــ تحقيق الصدق الخارجي‏,‏ من خلال الزيارات واللقاءات الميدانية مع المهتمين بالتعليم والعاملين فيه‏,‏ والمستفيدين منه في مختلف المجالات والقطاعات‏.‏
ــ تحقيق الصدق الداخلي من خلال المناقشات‏,‏ وجلسات العصف الذهني مع اللجان الأخري‏.‏

ــ وضع وثائق مبدئية للمعايير القومية ومراجعتها ومناقشتها في جلسات مطولة‏,‏ حتي يمكن التوصل إلي الصورة النهائية الصالحة للتطبيق والتنفيذ‏.‏
وهذا ــ بفضل الله وجهود المخلصين من القائمين عليها وبها‏,‏ والمشاركين فيها ــ قد حدث‏,‏ وإن كان حدوثه لا يشكل النهاية‏,‏ وإنما البداية لعمل طويل وشاق علي طريق التغيير والتطوير لنظامنا التعليمي‏.‏

‏6‏ ـ وتبقي الإشارة إلي من قاموا وشاركوا في إعداد المعايير القومية للتعليم المصري‏,‏ ففي الإشارة إليهم ما قد يعطي مصداقية كبيرة لهذا الإنجاز الضخم‏.‏ لقد شارك في هذا الإنجاز‏:‏
عدد لا يستهان به من أساتذة الجامعات من المتخصصين في الميدان‏,‏ وخبراء من جامعات العالم المتقدم‏,‏ وشارك فيه أيضا العاملون في مجال التعليم علي اختلاف المستويات‏,‏ والمهام والأدوار‏,‏ ابتداء من المعلم في المدرسة إلي الوزير المختص‏.‏ وكان للتلاميذ والطلاب وأولياء أمورهم دور مهم في وضع هذه المعايير‏,‏ بالإضافة إلي رجال الأعمال‏,‏ وأعضاء الجمعيات الأهلية ومؤسسات المجتمع المدني بصفة عامة‏.‏ كما شاركت بعض جهات عمالية‏,‏ وتأتي هيئة اليونيسيف في مقدمة هذه الجهات‏,‏ التي كان لوجود ممثليها أثره البالغ في إنجازها فكرا ودعما ومساندة‏.‏

‏7‏ ــ وقد لا نكون الآن بحاجة للإشارة إلي حجم الجهد الذي بذل في إعداد هذه المعايير‏,‏ سواء من حيث الحرص علي دقتها‏,‏ وتميزها‏,‏ وشمولها‏,‏ وواقعيتها‏,‏ أم الصبر والمعاناة في الخروج بها علي المستوي اللائق بتعليم مصر الثقافة والحضارة‏.‏ أم الإرهاق في الحوار مع الفكر هصرا وعصفا‏,‏ أو الحوار مع الواقع في ربوع مصر‏:‏ استهداء به ومراعاة لخصائصه وظروفه‏,‏ وإفادة من خبرات مؤسساته المجتمعية والتعليمية‏.‏ غير أن ما تحقق في هذه المدة التي لاتتجاوز تسعة أشهر ما كان بالإمكان أن يتحقق لولا التعاون المثمر الفعال بين مختلف العناصر المشاركة فيه‏,‏ والشعور الوطني المسيطر علي الجميع‏.‏
‏8‏ ــ إن هذه المعايير تشكل وبحق نقلة نوعية في التعليم المصري‏,‏ حيث أنها موضوعة لتقويم المؤسسات التربوية‏,‏ علي اختلاف مستوياتها‏,‏ وبالتالي الوقوف علي جوانب القوة فيها لتدعميها‏,‏ وجوانب الضعف لعلاجها بالأساليب العلمية المناسبة‏,‏ والمحصلة النهائية الارتفاع بكفاءتها والارتقاء بأدائها‏,‏ تحقيقا لمفهوم الجودة الشاملة‏.‏ كما أن هذه المعايير ــ باعتبارها مقاييس ومحكات عملية موضوعية ــ تشكل نوعا من العقد الاجتماعي الذي يكفل تحقيق الشفافية والمساءلة والمحاسبية بين السلطات التعليمية والعاملين في حقل التعليم من جهة‏,‏ وبينهم وبين المستفيدين منه‏,‏ من جهة أخري‏:‏ ابتداء من التلميذ ومرورا بالأسرة‏,‏ وانتهاء بالمجتمع ككل‏.‏

باختصار تشكل المعايير في إعدادها جهدا وتوجها مصريا خالصا‏,‏ وفي تطبيقها خلاصا للتعليم من كل ما يعاني منه من مشكلات‏,‏ وانعزالية وبيروقراطية والانطلاق به إلي آفاق أرحب‏,‏ إلي المشاركة الفاعلة في البناء الاجتماعي‏,‏ والدخول بقوة في المنافسة العالمية‏.‏
ويبقي ما يمكن اعتباره تساؤلا ذهبيا وهو ماذا بعد وضع هذه المعايير؟ ما الآليات التي تضمن تطبيقها وتنفيذها بفاعلية‏,‏ وبما يحقق ما تستهدفه من آمال وتطلعات؟‏.‏ الإجابة عن هذا التساؤل قد تكون موضوعا لمقال آخر‏.‏

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق